الذكاء الاصطناعي والعقل!

صفوان القاضي:
لم يكن الذكاء الاصطناعي يومًا، أعظم من عبقرية الإنسان. وليس بإمكان أن تتفوق آلة، عن العقل البشري للإنسان قطعيًا. بينما الذكاء الاصطناعي أساسًا: هو فكرة مهدورة، أتت من مخلفات التطور الفكري، للإنسان ذاته.
آلة مبتكرة لغرض السرعة، وتقليص الجهد. تساعد على قدرات الإنسان، في مضاعفة الجهود، وإمكانية الوصول بسهولة. ولا سيما في ذلك، إذ إنها تعمل بالتلقي، للأوامر، لا بامتلاك القرار.
ومهما كان جموح ذلك، بالسطو على أهمية حاجة الإنسان، فهو بحاجة لإدارة عقلية، والعقل مزية الإنسان دون غيره، وكل من زيَّف حقيقته، مستعينًا بواسطة الذكاء الاصطناعي، فهو بلا شك، سلَّم قدراته لخذلان تلك الآلة.
سواءًا في الكتابة أو التصاميم، أو الإنتاج الفني والدرامي، أو التزاييف المولَّدة بواسطة الذكاء الاصطناعي، أو أيًا كانت، فذلك تضليل وسريعًا ما ينكشف، ويظهر كلاً على حقيقته.
فالذكاء لعنة، أراد بهِ مطوريَّ البرامج والتكنولوجيا، تزييف الحقائق، وتزوير الواقع بصورة عكسية للأصل، المُجرَّد من فبركة الذكاء، للشكل والمضمون.
وكما أراه لعنةٌ وقيد أيضًا، لكبح أهمية العقل البشري، بالاستغناء عن حاجته في سوق العمل، وهذا شيءٌ خاطئ! ومن يظن بأن ذلك تفوق على أهمية الإنسان وقدراته؛ فهو أيضًا مخطئ. ويبقى الإنسان وتفرده بمزايا العقل في الواجهة الأمامية، وما دون ذلك كذبة مصطنعة كالذكاء، لولا أن الذكاء فطرة الإنسان وخاصته.
فمن أراد أن يغرر على نفسه، ومهاراته بذلك القيد، فما عليه إلا أن يسلَّم قراراته لآلة، لتقرر بدلًا عنه، وتسلب منه روحه وشغفه، ذات طابعهما الفريد بالفطرة، والدهاء الذي أنتج لنا هذا الذكاء الاصطناعي.. لنعيش لعنته بالزيف والتضليل.
يظل الروح الوجداني النابع من ذات الإنسان، هو الحس المرهف، والشغف البديع لموهبة المرء، والملهم الأول لنجاح الإنسان، دون أدوات الذكاء، وما دون ذلك، ليس إلا؛ مجرد تدوير آلي لماضٍ قديم، مما خلَّفه الإنسان، في أرشيف هذا الفضاء، كلمات خالية من الذوق، من المعنى، بل ومن الروح الإبداعي المتراكم لمسيرة الإنسان، كلماتٌ يعيد ترتيبها تطبيق آلي لا أكثر، بعبث مبتذل عبر هذا الذكاء.
بينما الإبداع ذات الدلالة الواضحة، هو مرآة تعكس روح الإنسان، وتعمل على صقله شيئًا فشيئًا بطول رحلته الإبداعية، الناجمة عن تجارب عدة، وصولًا للنضج الحقيقي، لِمَ يسعى إليه الشخص الناجح. بعد بذل جهود جبارة، ليحصد حصيلة ثمينة وقيَّمة، يُفاخر بها، وتُشعِره بارتياح ذاتي، حين يُلاحظ بأنَّ جهوده مثمرة.
وكما لوحظ في الآونة الأخيرة من ظهور الذكاء الاصطناعي، على الأغلب – ممن استغلوا أدواته، واتخذوها كوسيلة لإظهار مواهبهم. هكذا بضغطة زر، ينسجون نصوصًا مُنمقة، ليستعرضون بها أمام الآخر، ظنًا منهم بأنَّ لا أحدًا باستطاعتهُ تمييزها، والتفريق بينها وبين ما ينسجه الفكر، إلا إنها مكشوفة.
والكاتب المعاصر يستطيع معرفتها، وأيضًا لا يمكن لمواقع ومنصات النشر الإلكترونية، أن تقبل بالنشر نصًا مولدًا بواسطة الذكاء الاصطناعي، من أي نوعٍ كان، مقال أو نثر… إلخ، وترفضه لمجرد أن تجري لمحة طفيفة عليه، فيتبيَّن لها بأنه مصطنع.
هكذا صارت الحداثة الحصرية، محطة تدمير للوعي، المفكر والباحث باختصار أتعابه الشاقة، من خلال ضغطة زر.. بأقل من ثواني! وهذا ما يرفضه الواعين، بإدراكهم للخطر الكامن من وراء ذلك.
ولا أنكر هنا بأن الذكاء الاصطناعي له جانبه الإيجابي، لمن يحسن استخدامه فيما يفيد، لا أن تسلَّمه القرار ليقرر بدلًا عنك. ويدمر قدراتك على الإنتاج، على التفكير، واكتساب العديد من المهارات، التي باستطاعة أن يقوم بها الذكاء الاصطناعي بدلًا عنك.